في الدهليز المتوج بأقواس من الرخام، حيث تسمح بدخول أشعة الشمس الهائجة، يسير مارون داخل الظلال، وجهه شاحب وملامحه متيبسة، بالكاد يشعر بلسعة أشعة الشمس على وجهه، حين صادفه أحدهم على آخر الدهليز، حيث العتمة الحاكلة التهمت المكان، بالكاد استطاع مارون تمييزه، عدا تلك الأشعة الخافتة المنعكسة لتكشف ملابسه فتبين أنه أحد أتباع روهان.
- سيدي، سمعت أنك عدتَ أخيراً من رحلتك.
- تيم، ما الذي تفعله هنا؟
- سيد مارون، لدي أخبار عاجلة!
- ماذا هناك؟ أين سمو الأمير؟
- قال إنه ذاهب في رحلة.
- مــــــــاذا؟
كشر مارون عن أسنانه بغضب، بينما بقي تيم محافظاً على صمته، حين هدأ مارون أخيراً وقال:
- المهم، هل قمت بالتحقيق في المسألة التي أوكلتك بها؟
- أجل، وهذا ما أنا آتٍ به لأجلك.
- أحسنت.
- سيدي!
بدا تيم قلقاً، يده اللتان تمسكان الملفات تترتجفان، مظهره المتوتر جعل مارون مذعوراً بدوره، ارتجفت يداه وهو يتناول الملفات.
- شكراً لك أيها الملازم تيم.
- سيد مارون، أرجو أن تبقي هذا سراً. إن عرف صاحب الجلالة بذلك ..
- أعلم تماماً، لا تقلق!
ربت على كتفه وتابع خطواته حيث التهمه الظلام بالكامل.
...
يتناثر الجنود أرجاء الغابة، أصوات الأعشاش المتخبطة بأقدامهم تثير ضجة كبيرة، بينما يقف حصان بني أمام مدخل الغابة يمطتيه القائد ليون ويظهر على وجهه الغضب ونفاذ الصبر، يقف خلفه حصان إيميلي والتي كانت تترقب سيدها بين الفينة والأخرى، في محاولة لكسر حاجز الصمت الذي يزداد توتراً.
- ألم يجدوه بعد؟ أي نوع من الجنود هذه التي في حوزتي.
زمت شفتيها تدعو في سرها أن ينتهي الأمر سريعاً، حين أتى من أمامهم ظل لحصان قادم، فتنهدت بارتياح.
- سيدي!
علق إدوارد بعد اقترابه وسحب لجام حصانه:
- وجدنا جثتين لجنود سيراف.
- و ...
صمت إدوارد لوهلة، نظر نحو إيميلي بدهشة، لكن حركة وجهها أشارت بأن يبعدها عن الموضوع، فعلم أن القائد في حالة هيستيرية، ليأخذ بعض الوقت قبل أن يتكلم بحذر:
- يبدو أن الجراح التي أصيب بها الجنود لم تكن من فعل أحدٍ من أتباع سمو الأمير.
شده بصدمة:
- مـــاذا؟
- سيدي القائد، تلك الجروح ...
ولكن قبل أن يكمل كلماته قاطعه صوت خطوات لأقدام أحصنة، حين نظروا نحوهم ليتجمدوا كالتماثيل.
- ماذا! لقد أخذ منك وقتاً طويلاً لتدرك وجودي.
علت وجهه ابتسامة صفراء جانبية، تبين أن تلك الابتسامة نحجت في إستفزاز القائد ليون الذي بدوره كشر عن أسنانه دون أي محاولة لضبط أعصابه.
- هل تظن أنني سأتغاضى عن فعلتك بإيذاء شقيقتي؟
- الأمير أنيس، لديك الجرأة لتخرج من جحرك ... هل تدرك نتائج مخاطرتك هذه؟
عاد أنيس يبتسم ابتسامة ساخرة، ما جعل ليون يستل سيفه، وصرخ:
- أيها القذر!
إلا أن اتنين من أتباع أنيس تقدموا وأستلا سيفهما، ليتوقف حصان ليون ويقف على قدميه بذعر، فيسقط ليون على ظهره، حينها هم كلاً من إدوارد وإيميلي نحو سيدهما إلا أن إدوارد هم بمداهمة الجنديين، وعلق في مبارزة من طرف واحد.
- أين هو؟
صرخ ليون، فسأل أنيس ساخراً:
- هل هو مهمٌ بالنسبة لك؟
- أيها ..
أجبر نفسه على النهوض وهم نحوه إلا أن جنوده الأربعة المتبقيين باغتوه وأحاطوه أنيس.
- أيها الجبان! حتى أنك لا تجرؤ على مواجهتي.
- عليك بتخطي جنودي أولاً إن أردت ذلك!
- أيها الجبان!
صرخ وهم يضرب بسيفه، إلا أنه تلقى ضربة قوية على رأسه فسقط على الأرض.
- يبدو أنك نسيت الاسترخاء أيها القائد ليون.
كلماته لا تجعله إلا أشد غضباً، لكن إيميلي أمسكت به هذه المرة:
- سيدي!
- أوه! إيميلي!
لكنه صمت وابتسم حين رأى عيناها الممتلئتين بالظلام، فعاد ينظر إليه وقال بسخرية:
- يبدو أنك حصلت أخيراً على أصدقاء.
- أيها ... !
فأمسكت به إيميلي بقوة:
- سيدي!
نظرات التعالي التي يرمقه بها بينما يحاول التخلص من أذرع إيميلي جعلته أشد غضباً، فدفعها بعنف وهم بسيفه نحوه، إلا أن أعين الجنود المحيطين به أبرقت ببصيص أحمر قاني، فصرخا كلا من إدوارد وإيميلي بذعر:
- سيدي!
كادت أن تكون ضربة واحدة من جندي منهم كافية بقتله، لكن إيميلي صدت الضربة بمهارة لتقلل من اندفاعها إلا أنها ألقتها بعيداً واصطدمت بساق شجرة لتترك مغشياً عليها.
- إيميلي!
أراد أن يتحامل على جراحه مما أنتجته الأشعة المتبقية، لكنه فوجأ بسيف أنيس موجهاً نحو عنقه، عيناه تنظران نحو من الأعلى، تلمعان ببريق مخيف، وهمس:
- ألم أقسم بأن قدماك لن تطأ بلاط القصر مجدداً! أيها الخائن!
توسعت عيناه ليون وارتجف بؤبؤيه من الذعر، وكأنه يرى في تلك النظرات ذكريات ليس عليه تذكرها، حين أيقظه صوت سليل السيوف، فيجد إدوارد ملقاً على الأرض مغطى بالدماء، ارتجف جسده وأخذ يهلوس ويصرخ بذعر:
- لا، لا، لا ...
أصبح جسده ينتفض وهم يزحف بعيداً باتجاه إدوارد، إلا أن آخر شيء استطاع سماعه قبل أن يتلقى الضربة الأخيرة:
- لا تشح بنظريك وأنا أمامك!
...
على المكتب قبضتان ترتجفان، بينما تلك الملفات تتربع بينهما، والمكان مشحون بسحاب من أسود يبرق ويرعد من الغضب، بينما خرج صوته المخنوق:
- ما الذي يعنيه هذا؟
ابتلع صوته ما تبقى من كلماته، بينما يقف مارون بهدوء أمام مكتبه، حين خرج صوته متزناً:
- ألا ترى أنها فرصة جيدة لسموك؟
- هل تعني أنني سأتعاون مع ذلك الجرذ حتى يتسنى له الحراك؟ هل تظنني بهذا الغباء؟
- سموك، أفهم شعورك جيداً، لكن إن سلمت سيراف بدلا من القائد ليون فذلك سيزيد من ثقتك في مجلس اللوردات.
قبض على يديه واتكأ برأسه، ثم أخذ نفساً عميقاً، وتساءل:
- هل تدرك لمَ لم أرسل سواك إلى هناك، مارون؟
فأخفض مارون رأسه وقال:
- أدرك ذلك سموك.
- تدرك ذلك، ومع ذلك تأتي لتخبرني بهذا.
- سيدي، لدي سبب وجيه.
- وهو؟
أخذ بضع دقائق قبل أن يتقدم، ويخرج ذراعيه من خلف ظهره ويضع أمامه الملفات التي أخذها من الملازم تيم مسبقاً، نظر روهان نحو مارون بدهشة، ثم نحو الملفات، ثم نحو مارون مجدداً، حين قال الأخير:
- إنها تجارب سرية أقيمت على الجنود لاستخراج الإكسير.
...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق