الاثنين، 10 أغسطس 2020

الحلقة الثانية

 حاولت عبور الممر، بينما أجسادهم الضخمة تكون جدرانًا عالية من اللحم البشري، رائحة العرق تتجمع عند تلك المنطقة الضيقة التي حبست فيها، ما جعلني أعطس بقوة، ليبتعد الجميع بانزعاج.

"مهلاً! أنا الشخص الوحيد الذي يجب أن يشعر بالانزعاج"

إلا أنني تجاهلت الأمر؛ كون أولويتي المحافظة على حياتي هذه اللحظة.

تنهدت، أخيرًا، الفرج! أخذت نفسًا عميقًا بعد خروجي من الزحام، ثم نفضت شعري وملابسي، وتابعت سيري عبر الممر نحو غرفة المعلمين.

حقًا بدأت أكره هذه الحياة، متى ستحصل تلك القفزة النوعية التي يتحدث عنها الجميع؟!

- آية؟!

أيقظ شرودي صوت المعلمة متسائلًا، حين نظرت إليها بمفاجأة وانبهار.

- آية!

عادت تقولها بشيء من الاستنكار:

- أصبحتِ شاردةً الذهن مؤخرًا، كما أن علاماتكِ آخذةٌ بالتراجع، هل حصل مكروه ما؟!

- أجل حضرة المعلمة.

بدت مندهشة، قسماتها الصغيرة تفتحت كبراعم زهور فصل الربيع.

- لقد فقدت حافزي.

عادت ملامحها لطبيعتها، ثم نظرت نحو مكتبها، وهمست بصوت سمعته بوضوح:

- هذه حقًا مشكلة.

ثم نظرت إلي، وتساءلت:

- ولكن ما سبب ذلك؟!

- لو كنت أعرف لحللت الأمر، أليس كذلك؟

فنظرت نحو الأرض، وهي  تضع أناملها أسفل ذقنها مفكرة، وهمست:

- فعلًا، أنتِ محقة.

ثم عادت تنظر إلي باستنكار، وهتفت:

- هل تحاولين تضليلي؟

لتضرب رأسي بالأوراق التي بجانبها مأنبة، ثم قالت بعصبية مفتعلة:

- كونك تعلمين السبب وحده نصف الحل، كيف يمكنك جعلي أنسى ذلك ...

ثم هتفت بدلال، وهي تضم ذراعيها نحو صدرها باعتراض:

- مشاغبة!

- المعذرة!

توقف الوقت لوهلة، لأستوعب مصدر هذا الصوت الدخيل لمحادثتنا، بدت نبرة هادئة تحمل في طياتها السكون.

اعتدلت المعلمة في جلستها، وابتسمت بلطف، وهتفت بمرح:

- أوه، إلياس، ما الأمر؟

- لقد طلبتِ دفتر الفصل، أليس كذلك؟

- أجل!

لتأخذ الدفتر منه، وهي تردف:

- شكرًا لك!

وغادر المكان، حين نظرت في أثره بانزعاج، وهي تتذمر:

- رباه! هل يجب أن يتغير مزاجي الآن؟

- أجل، أعتقد ذلك!

قلت بشيء من الجفاء:

- لطالما كانت محادثاتنا ودودة معلمتي.

فنظرت إلي بطرف عينها، وقالت كأنها حصلت على نصرها:

 - الآن أنتِ تعيدينني للهالة السابقة.

ثم أخذت تبحث بين الأوراق، وهي تهمس من حين لآخر:

- أين كنّا؟ ... أين كنّا؟

وبقيت أنتظر حتى نفضت المكتب بعرضه، ثم وضعت أناملها خلف رأسها باستفهام، وأخذت تقول بشيء من الخيبة:

- لا أعرف أين اختفى النموذج؟

"هذا لأنك مكتبكِ مرتب حضرة المعلمة"

همست في نفسي بهزلية، لتنظر إلي بعينيها البريئة، واستكملت:

- على أية حال، هل يمكنكِ أن تصنعي نموذجًا من أجلي؟!

- وما هو؟

- أريدك أن تكتبي تقريرًا حول شعورك في المرحلة الثانوية، لكن النماذج نفذت، لذا سأطلب منك صنع واحد لأجلك.

- وهل علي حقًا فعل ذلك؟

فنظرت إلي بنظرات مرعبة، لا تنم إلا على كونها ستقتلني إن قلت كلمة أخرى، فتراجعت بتردد:

- أعني، انني ما زلت في بداية الفصل الدراسي الجديد.

- وهذا بالضبط ما أريده!

هتفت:

- أريد انطباعك حول الفصل الجديد، توقعاتك، وآمالك.

- وهل أنا عرّافة؟!

تململت.

- آية؟!

ضغطت على أسنانها بقوة، فأملت شفتي بشيء من الانزعاج، وقلت بعدم رضا:

- حسنًا.

ثم انسحبت من المكان.

صدقًا ما الذي تعتقده تلك السيدة!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق