"يا للإزعاج!"
كلمات أقولها في نفسي كلما مررت من ذلك الممر، الجميع متحوط هناك، وكأنها آخر لحظات العمر، رغم كونه ضيقًا، إلا أنهم لن يريحوا ضمائرهم حتى يصبح كعود الشمع الجائع، تعبر من بين جدرانه البشرية نملة صغيرة ، قضت حياتها مع عمليات التنحيف، إلا أنني وبصعوبة عبرت، لأستنشق الهواء بعد رحلة من المغامرة والاختناق، أفتح فيها رئتي، أستقبل من خلالهما عبير يومي الأول للعام الجديد.
اخترت إحدى المقاعد؛ لأجلس عليها، حين جاء هتاف متوقع من فتاة مزعجة معروفة بإحداث كل تلك الضجة؛ فقط لتلفت الانتباه نحوها، هي حقًا لا تريد شيئًا مني، هي تحب البروز والشهرة.
- أيا! ... أيا! ... أيـــــــــــــــا!
- سمعتك!
أجبت على مضض، فقفزت نحوي، وأمسكت كفي، ما جعلني متجمدة لوهلة من الدهشة.
- ما الأمر؟!
قلت:
- هذه ليست عادتك؟!
- هل أدهشك الامر؟!
خرجت كلماتها ماكرة كمكر العقاب.
- ليس حقًا!
قلت محافظةً على كبريائي، فأخذ تهتف بدلال:
- هيا! قولي أنني فاجأتك.
- ليس تمامًا!
اعتصمت بكبريائي، حين أخذت تقفز بانزعاج كالنابض، محاولةً سحب كلمة الموافقة.
- ما الذي تفعلانه هنا؟!
أتى صوت صديقتي الأخرى، لأنظر إليها وكأنني توقعت ظهورها، فعلقت بانزعاج:
- اعتقد أنني فاجأتك.
بصدق، ما خطبهما؟ ما قصة المفاجأة تلك حتى هذه اللحظة؟
- ليس تمامًا.
أجبت ببرود، حين استطرد تغير الموضوع:
- على أية حال، لدي أخبار مثيرة للاهتمام.
- مثيرة للاهتمام؟!
علقت الأخرى، لتجيبها:
- أجل، ألا تستوعبين ما أقوله من المرة الأولى، مي!
- ليس تمامًا، فقط القليل من الدراما؛ لإثارة الحماس.
فنظرت إليها باحتقار، ثم عادت تقول:
- المهم، هل أنتما مهتمتان به؟
فقلت متهربة بشيء من الجفاء:
- ليس تمامًا!
- ما خطبكِ اليوم أيا؟!
علقت بانزعاج:
- هل علقت أسلاكك الكهربائية على عبارة ..
وأردفتها بنوع من التقليد الساخر:
- "ليس تمامًا!"
زفرت بملل، ثم قلت:
- لأنك تعلمين أنك لا تحملين أخبار مثيرة للاهتمام، أنتِ تقولين ذلك فقط للاستراق حواسنا.
- أوه، هل تحاولي أن تكوني متحادقة؟
ثم عادت تقول بحماس:
- على اية حال، أنا حاليًا فعلًا أحمل أخبارًا مثيرة للاهتمام.
- إذن أنتِ تعترفين أن أخباركِ لم تكن يومًا مهمة.
- أيــــــــــا!
بدا أن ذلك استفزها، فأطلقت العنان لأسنانها بالنطق لاسمي، حين لم تفارق نظرات البرود والملل وجهي، لتعدل جلستها وتقول:
- الأهم من ذلك.
- وهل كان هناك شيء مهم ليكون ما هو أهم؟!
- أيـــــــــــــــــــــــــا!
- حسنًا، حسنًا.
فصفقت بكفيها أمام شفتيها بخجل، ترسم ابتسامة تحمل في طياتها أسرار مثيرة للريبة، وتلمع عيناها بحماس غريب:
- احزرا من سينتقل إلى مدرستنا؟!
قالتها بشيء من الغموض الدرامي، حين هتمت مي قائلة:
- دعيني أخبركِ، دعيني أخبرك.
فأشارت إليها، وهتفت:
- مي!
- طالب منتقل!
فصفقت لها بشيء من البلاهة، وهتفت:
- أحسنتِ!
ثم لكمت رأسها بقبضتها، وصرخت بها:
- من أين تحصلين على هذا الذكاء!
ثم عادت إلى مقعدها بشكلها الهادئ، بينما أخذت مي تمسح دموع التماسيح الممزوجة بالدلال المبالغ فيه، ثم قالت بدرامية حزينة:
- اذًا، اذًا، أخبرينا من؟
فضمت يديها إلى صدرها، ورفعت رأسها بتعالٍ، وقالت بغرور:
- لست مخولةً بإخبار الاغبياء.
- روي! أرجــــــــــــــوكِ!
- لا.
وأخذا يمثلان دور صعبة المنال، وبسيطة الكبرياء، بينما أنظر إلى صديقتي بكل فخر واعتزاز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق