الاثنين، 10 أغسطس 2020

الحلقة الثالثة عشر

 ما بال هذه الوجوه؟

ما بال هذه الهالات؟

لمَ الجميع ينظر إلي بتلك الصدمة، وكأن صعقة كهربائية ضربت الجميع؟

- مجدولين؟!

خاطبني المدير كاسرًا الصمت المقيت:

- هل أنتِ بخير؟

لماذا؟ هل أبدو لكم مجنونة؟! أو أنني مصابة بشيء ما؟

أخذت أنظر نحو الجميع باستغراب، بالله عليكم ما الذي يجري؟!

فليفسر أحد ما؟

نظرت إلى عمر، لعله يعطيني تفسيرًا، لكنه أشاح نظره بعيدًا.

أحدًا ما ؟! أحدٌ واحدٌ فقط؟ فليفسر أحد ما يحصل؟

هييه! أشعر كما لو أنني حشرت في الزاوية.

- مجدولين!

عاد يناديني بتلك النبرة الهادئة، إلا أنها أصبحت نذير شؤم بالنسبة إلي.

- إن كنتِ متعبة، ولا تستطيعين العمل اليوم، فإمكاني إعطاءك إجازة.

- لكنني خرجت من إجازتي اليوم فقط!

- لكن الجميع لاحظ تصرفاتكِ الغريبة مؤخرًا، إن كنت تحتاجين إجازة أطول فيمكنكِ طلبها ببساطة، وسوف أتفهم.

في الواقع، زادت الأمور تعقيدًا، لم أعد أستوعب شيئًا، أخذت أفرك مؤخرة رأسي لعلها تخبرني بما يحصل فعليًا.

هتفت، وكأنها أتتني الومضة:

- هل هذا يعني أنني مطرودة؟

هنا تهافت الجميع بتأكيد النفي، وكأنهم تجهزوا لمثل هذا السؤال، حينها أخذت أنظر إلى وجه المدير المتوتر، وسألته بشكل مباشر:

- هل قمت بشيءٍ خاطئ، حتى تبعدني عن الشركة؟

تردد، بدا ذلك واضحًا، وحين أخذت أجول بنظري بين الجميع، يبعد الجميع بصره، وكأنه يخشى المواجهة.

أخيرًا خرجت كلماته بحشرجة حزينة لم أستطع استيعابها:

- حسنًا، ربما لا زلتِ في حالة صدمة مجدولين، حقًا نتفهم ذلك، لكن عليكِ أن تقتنعي كون شقيقتكِ فارقت الحياة، آسف لقول ذلك، لكن أرجوكِ عودي عندما يصفو ذهنك.

لحظة، لحظة، لحظة!

منذ متى وكنت أملك شقيقة ؟!

بالتأكيد هناك سوء تفاهم واضح! بل فاضـــح .. بل تبًا! ... من أين تأتي كل تلك الإشاعات؟!

هل يمكنكِ يا أرض أن تبتلعينِ الآن؟ أنا أسمح لكِ بذلك! صدقًا ... أسمح لكِ بكل ما أوتيت من قناعة.

لكن وميض الذكاء أخذ يشع فجأة، دقيقة تفكير واحدة كفيلة بتغيير كل شيء.

"هل أكمل المسرحية التي دخلت فيها؟"

أخذت أتساءل مع نفسي:

"لكنها كذبة، ولأحافظ على كذبة علي أن أصنع كذبة أكبر، وهكذا سأتعمق بالكذب"

لحظة! ألست أنا أكبر كذبة؟!

أجل، ما الذي سيمنع ذلك، فوجودي كله كذبة، لذا فأنا مجرد كذبة خلقت لتكبر مع الكذب.

- لحظة!

هتفت دون وعٍ:

- بالكاد أستطيع تصديق الأمر.

قاطعني المدير:

- أجل عزيزتي، ونحن نتفهم ذلك ...

قاطعته بانزعاج:

- ليس هذا ما أعنيه!

فنظر نحوي بدهشة، ينتظر أن أكمل.

- أعني ...

أخذت أتكلم بحذر:

- لا أتذكر أنني قدمت إجازة بخصوص هكذا أمر... فالجميع يعلم أنني أعيش فقط مع والدتي.

أخذ الجميع ينظر إلى بعضه البعض، وكأنهم يستشيرون بعضهم، حين أخذ المدير يطرق مفكرًا بشكل مثيرٍ للريبة، ثم ضرب كفه وكأن حصل على وميض أمل، نظر إلي بحنان عجيب، وقال بلطف:

- أشعر بك مجدولين، أنتِ حتى تبذلين جهدك لنسيان الأمر.

تبًا! ما الذي يحاول الوصول إليه؟ 

أهو حقًا بهذا الغباء؟

أم أنه يدعي ذلك؟

أليست ورقة تعريفي أمامك أيها الأحمق؟ أنظر إليها، أنظر ... فتاة وحيدة تعيش مع والدتها!

- آنسة مجدولين!

علق حسام بحزن غريب:

- ليس من الضرورة أن تجبري نفسك، يمكنكِ طلب المساعدة إن احتجتها، أن تبكي إن أردت البكاء، أن تضعفي وقت الضعف، نحن هنا من أجل مساعدتك.

أخذت أحدق به لوهلة، فاغرة فاهي من التعجب والاستنكار، من حبك كل هذا .. بالتأكيد هو نظيري في الذكاء!

- حسنًا...

قلت أواكب التيار:

- فهمت!

شعرت باسترخاء عضلاتهم المشدودة .... هل حقًا إلى هذا الحد يريدون التخلص مني؟

توجهت نحو الأريكة، حيث وضعت حقيبتي هناك، وكأنهم استعدوا لتك اللحظة جيدًا، أمسكتها دون أن أرفع رأسي، حتمًا الأمر لم يعد يطاق، تلصق عليكَ تهمة كونك تملك أختًا ميتة، وأنت لا تملك أختًا أساسًا ... من أين يأتي الغباء في هذا المجتمع؟

خرجت، لم أدرك خطواتي العصبية، ربما حتمًا شعرت بالغضب، ربما كوني تكبلت عناء المجيء إلى هنا بعد تفويت الحافلة، ثم اقابل بهذا الاتجاه، الأمر لا يتعلق بالضمير كونه غباءً بشكل أكثر وضوحًا، أريد فقط أن أعرف، من هو هذا الشيطان الذي حبك هذه الحبكة وجعلها بذلك التعقيد.

من يدري؟! ... ربما آخذ منه بعض الدروس !!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق