"أشعر بالملل!"
همست في نفسي، بينما تقلبت في سريري، ما إن أخبرت والدتي كوني سأبقى اليوم في المنزل، حتى حُبست في غرفتي، أرادت أن تعرف كل شيء... كل شيء! هذا وحده مستحيل!!
حملت الغطاء، وأسدلته فوق رأسي، فشعرت بالألم، لذا أزحته قليلًا، وأخذت أتنهد، أشعر الآن بحالة من الترقب، أخشى أن تكون سمعت كل شيء من الممرضة، فهي ما إن تراني خارج سريري، تبدأ بالصراخ، وتجبرني العودة لذلك المكان المحمل بشحنات الخمول.
رباه!
على الأقل دعيني أرسل لصديقاتي رسالة أطلب فيها واجبات اليوم!
نزعت الغطاء، وتسللت على أطراف أصابعي، بدا صوت صرير الأرض الخشبية اللطيف غير محببًا هذه المرة، فأخذت حذري قدر المستطاع، لكنه لم يختفي، لذلك وضعت احتمالية عالية بوصول والدتي إلى هنا.
لم يمضي الكثير من الوقت، حتى سمعت أصوات خطواتها على السلالم، تبعه صراخها:
- آية! هل هذا أنتِ؟
بالله عليكِ! من سيكون غيري!
إلا أنني سحبت هاتفي بسرعة من على المكتب، وقبل أن أقفز داخل سريري، حتى فتحت الباب، فتجمدت مكاني، وبهيأتي المضحكة، كمصارع يتأهب للهجوم.
وضعت يديها على وسطها، ثم خرج صوتها غاضبًا:
- آية!!
حسنًا، يبدو أنني لن أجد مهربًا من هذا، لذلك لم تسمح لي الكلمات بالتبرير.
- ما الذي تحاولين الوصول إليه؟
تلعثمت:
- أردتُ ... أردتُ ... أن ... أسأل سونيا عن واجبات اليوم.
أخيرًا خرجت، لكنها لم تجعل من والدتي، إلا أن تصفع جبهتها بحسرة، ثم قالت في محاولة لكبت عصبيتها:
- عودي إلى فراشك!
- أمي!!
- لا أريد أي جدال، عودي إلى فراشك حالًا.
تنهدت بضجر، ثم دخلت الفراش بعدم رضًا، حينها اقتربت مني، وسحبت الهاتف الذي كنت أحاول اخفاءه عنها.
- أمي!!
- لا أريد كلمة أخرى، ابقي في فراشك حتى أطلب منك النهوض.
ثم أخذت الهاتف، وهمت راحلة، دون أن تعير نداءاتي المتكررة لها بالتوقف.
"رباه! هل أنا طفلة؟! ... حقًا أريد معرفة ما يجول بخاطرها"
على الأقل أعطني هاتفي .. هتفت بحزن.
لكنها سلبت آخر الامور تسليةً في حياتي.
أخذت أجول النظر في غرفتي، أبحث عن شيءٍ يشغلني، إلا أنني سمعت خطوات متعددة على السلالم.
أخذت أطرق السمع، أعد عدد الخطوات، لكن رأسي أصبح يؤلمني، لذا غصت داخل فراشي.
- آية! هل أنتِ بخير؟
أتى صوت والدتي القلق بشكل مبالغ فيه، حينها أخرجت نصف وجهي، لتردف:
- أتين صديقاتكِ للاطمئنان عليكِ، هل تستطيعين النهوض؟
قفزت بفزع:
- ماذا؟
فخرج رأس مي من إحدى الجوانب، وهتفت ببلاهة:
- ماذا؟! ... لا يبدو عليها المرض!
"لمَ يبدو عليكِ خيبة الامل!"
دخلن الغرفة، رؤى، مي، ثم ... ثم ... سونيا!
- ماذا؟ ألا يحق لي الاطمئنان عليكِ أيضًا؟
تلعثمت:
- ليس الأمر كما يبدو...
ثم تساءلت:
- ماذا عن الدروس؟
فأخذت يتمايلن بدلال، وكأن شابًا يقوم بمغازلتهن:
- ماذا! ما الذي تقولينه؟
أخذت أحدق بهن بصدمة شديدة، لم أعد أستطيع احتمال تلك السذاجة بعد الآن، لأخرج صوتي كالقنبلة الموقوتة:
- ما الذي تعنينه جميعكن، من الذي سيعوضني عن الدروس التي فاتتني بفعلكن الغبي هذا؟
- أيا!
هتفت سونيا تحاول تهدئتي:
- اهدئي يا عزيزتي ... الدرس ليس بالأمر الجلل.
ثم علقت رؤى بشيء من الحسد:
- كما أن هناك شابًا تبرع بإعطائك دفتر ملاحظاته عندما تعودي.
لامس فكي الأرض من شدة الدهشة، حين أخذت مي تكمل كلماتها:
- حسنًا، فكرنا أنه بما أنكِ صديقتنا، فستسمحين لنا بأخذ الدروس من دفتر ملاحظاته أيضًا.
فلكزتها كلًا من سونيا ورؤى باستحياء، لأقذف برأسي على الوسادة بخيبة أمل، حينها هممن نحوي يصرخن:
- أيا! أيا! ... هل أنتِ بخير؟ .. أيا!
- أصمتن!
صرخت:
- وإلا أحضر صراخكن والدتي.
هتفت سونيا بشيء من الحزن:
- ما الامر أيا؟ أنتِ لا تبدين على ما يرام؟ هل كل ذلك بسبب ...
فوضعت يدي على ثغرها كي تصمت، ووضعت أنملتي على ثغري مشيرة لها بالسكوت، حينها نظرن إلي بدهشة.
الحقيقة أنني ضقت ذرعًا بهن، فخطفت اللحاف، ورميته على جسدي، وأخذت اتجاهًا جانبيًا بحيث قابلتهم بظهري، وقلت منهيةً الحديث:
- لا يهم، اذهبن الآن، فأنا أشعر بالتعب .. سآخذ الملاحظات من لمياء على أية حال.
في الواقع، شعرت بألم يخترق قلبي حينها، هذه ليست الكلمات التي أردت قولها، شعرت بالدموع تخرج من مقلتي بعد سماعي لطرقهن الباب معلناتٍ خروجهن، أردت حقًا إيقافهن والاعتذار، لكنني لم أكن أملك الشجاعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق