دخلت غرفة الاستقبال _ أو هكذا أسميها_ كونها تتكون من كل ما تتخيله من أصناف المقاعد والأرائك.
أشعر بداخلها تمامًا كشخص يحب التبذير، لكن ليس باليد حيلة، فهي ليست مسؤوليتي!
وضعت حقيبتي بضجر، ورميت جسدي المنهك على إحدى الأرائك بجانبها، لتقفز من مكانها ثم تعود، فأرتد للأعلى، ثم أغوص داخلها.
"القفز على الأرائك ممتع!"
هذا ما أفكر فيه دومًا.
حتى عندما تجلس عليها، تجعلك تشعر أنك تجلس على نابض طري، يمنحك القليل من السعادة سريعة الذوبان.
تمددت قليلًا، حتى أرخي عضلاتي الهائجة، لا أحد يمكنه تخيل أنني ركضت كل تلك المسافة فقط لأن أحدهم أخرني عن موعد الحافلة!
حقًا أريد قتله! لكنني إن فعلت، لن أعذبه لاحقًا ... حسنًا، سأترك أمره لوقتِ آخر، ما علي الآن هو أن أجد وسيلة لإزالة هذا العرق، وترتيب نفسي.
لكن الأمر في غاية الصعوبة، ليس من السهل التجول بهذا الشكل، ولا توجد طريق مختصر إلى دورة المياه، سوا المرور بغرفة التمرين، وتلك مخاطرة كبيرة ... كبيـــــرة حقًا!!
أخذت أعبث بأغراض حقيبتي، لعلي أجد شيئًا يخفي على الأقل رأسي، لكن تبًا للاجتهاد!
في مثل هذه الأوقات، لا ينفعك أن تكون مجتهدًا، فأنا بحاجة إلى ما يشبه تلك الأشياء التي تحملها سونيا ومي معهما دومًا.
لم أكن أفهم سبب حملهما لتلك الاشياء يوميًا، لكنني بدت أعرف السبب الآن!
تركت كل شيءٍ من يدي، وأخذت أحدق في أشيائي المتناثرة، كتب ... كتب ... كتب ... أوراق ... وأقلام!
وضعت يدي على رأسي بحسرة، كنت نسيت منشفتي في دورة المياه، حتمًا الأمر معقد.
مسحت المكان بنظرات متأملة على إيجاد حلٍ ما، بالكاد أستطيع استخدام الوسائد، ما إن أتتني هذه الفكرة، حتى ارتسمت فوق رأسي غيمة بداخلها أحدهم، أعرف حق معرفه أنه سيقترح مثل هذا الاقتراح ... مي الخرقاء !
هيــــه! حتمًا بدأت أكره كوني حُبست بهذا الشكل، كما أنه لن يمضي الكثير من الوقت حتى يلاحظوا غيابي.
"ماذا لو حضر أحدهم هنا صدفة؟"
"ماذا لو أتت للمدير فكرة جهنمية، وقرر أن يعلن عن اجتماع طارئ هنا؟"
لحظة:
"لم الاسئلة النيرة تأتي في اللحظات الخاطئة؟ ... لكن، بعد أن أخرج من هذا المأزق، سأخبر المدير بهذا الاقتراح، أرجو أن يبقى عالقًا في ذاكرتي!"
حسنًا، حسنًا ... بالحديث عن الأفكار النيرة!
ما رأيكِ بالستائر؟!
أخذت نفسًا عميقًا ما إن رأيت الستارة تتلوى أمامي، وكأنها تحثني على استخدامها.
مرحبًا أيتها الستارة! هل تحاولين افتعال المشاكل؟!
إهئ، إهئ، قولي لي أنكِ لستِ الحل الوحيد أرجوكِ!!
لكنني رغم توسلاتي سحبتها، حسنًا ... لنقل أنني شعرت بتأنيب الضمير حينها، لكن الأمر يحتاج إلى تضحية!
"هكذا بررت لنفسي"
حوطها حول جسدي، لتغطيني من أعلى رأسي حتى أخمص قدمي، وحضنت حقيبتي؛ لأخفيها.
نظرت باتجاه الفتحة الصغيرة بين الباب وحلقه، لأتأكد من خلو الممر، ثم تسللت بسرعة القطط عبر المكان، أختبئ من زاوية إلى زاوية بحذر شديد، كأنني لص متسلل، حشر في مخفر الشرطة.
- مجدولين؟!
توقفت أوصالي ما إن سمعت اسمي ينطق ... حسنًا، هو ليس اسمي الحقيقي، لكنه اسمي هنا على أية حال.
تجمد جسدي بالكامل، وشعرت بشعر رأسي يتوقف، كمن تعرض لصعقة كهربائية.
أخذت أتحرك باتجاه مصدر الصوت ببطء آلي، بينما وضعت ما بقي من الستارة محاولةً اخفاء ملامح وجهي، لتتحول الصدمة إلى اثنتين.
نظر إلي بتلك العيني الجاحظتين، واسعتان تكادان تخرجان من مكانهما إثر الدهشة، لأخفض رأسي ونظراتي ببراءة، على استعداد تام للتمثيل.
- ما الذي ترتدينه؟
لأنطق بتلقائية:
- فقدت ملابسي!
لم أعرف حقًا من أين امتلكت هذه الفكرة، وكيف لي أن أقولها بتلك الراحة والبساطة، لكنها بدت فعالةً بشكل أكبر من اللازم، حيث أشاح وجهه المحمر بحياء، واضعًا قبضته على ثغره مهمهمًا.
تابعت تمثيلي _بينما علقت بهذه الأزمة:
- آسفة!
- اذهبي بسرعة!
قالها وكأنه لا يريد رؤية وجهي مجددًا، وأدار ظهره هامًا بالرحيل، لأقف مصدومة لوهلة، غير مستوعبةٍ للموقف.
بعد ثوانٍ من اختفاءه، سقطتُ أرضًا، شعرت بجسدي ثقيلًا فجأة، بينما أخفي وجهي من الاحراج، أصرخ على نفسي التي سمحت لي أن أفتح فاهي على ما لا أستلطفه، وأمام من؟ ... آه! فقط التفكير بالأمر يجعلني أتمنى الموت الآن ... حالًا!
توجهت بضيق نحو دورة المياه ... أخيرًا! لكن ليس تمامًا !!
أشعر بالإحباط، كما لو أنني دست على كرامتي بنفسي.
"ما الذي سيأخذه عني؟! أنا لست منحرفة، أليس كذلك؟"
عدلت أموري كلها، وأنا أفكر بالأمر ذاته، نظرت إلى وجهي أمام المرآة، وصرخت بانزعاج:
- أنا لست منحرفة، أليس كذلك؟! ... أليــــــــــس كذلك؟!
- ما خطبك اليوم؟
لألتف نحوه بسرعة البرق، عيني تتجهان نحوه بذعر شديد، أزحف ببطء متسارع نحو الخلف بكل ما بقي لي من طاقة، لأجده يضرب إطار الباب بخفة، بينما تبدو على حركاته البطيئة علامات خيبة الأمل.
- مـ ... ما ... ما ... ما!
لكنها لم تخرج، كما أن الحائط من خلفي أوقفتني عن الزحف، لأجده ينظر إلي بعينين مفرغتين من الحياة مندهشًا، وخاطبني:
- أردت أن أتأكد من كون الأمور بخير، لأجدكِ فقدتِ عقلكِ؟
- لم أفقد عقلي بعد!
- إذًا ما الذي تتمتمين به منذ قليل؟
- ذلك .. ذلك!
وأخذت أتهرب بترتيب خصلات شعري، ومداعبتها، في محاولةٍ لإخفاء وجهي، ليتكلم أخيرًا:
- على أية حال، المدير يسأل عنكِ، لذا قابليه في أقرب فرصة.
واختفى، دون حتى السماح لي بالاستفسار أو الاعتراض، لكنني ما أعرفه، أن كبريائي في الحضيض أمامه الآن!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق