حين تحصل لكَ مصيبة، لابد أن تتبعها مصيبة أخرى!
هذا ما كنتُ أأمن به، وهذا ما كان عليه.
- حسنًا، حسنًا!
همهم الطبيب:
- يبدو أن كل شيءٍ في مكانه.
وحرك نظارته الطبية للأعلى، وأخذ يفرك طرف عينيه بأنملته تاركًا لنفسه العنان في التحليل، حينها نظر إلى سيدة نتالي _ ممرضة المدرسة_ وسأل:
- سيدتي، هل أنتِ والدتها؟
- لا حضرة الطبيب.
أجابت بسرعة:
- أنا مجرد ممرضة لمدرسة هذه الطالبة.
- أوه!
تمتم بشيء من الاستخفاف:
- هكذا إذًا.
والتف بكرسيه الدوار نحو مكتبه الخشبي الأبيض، وأخذ يتأمل صورة الأشعة لجمجمتي.
حقًا نظراته لها الآن تزعجني، هل تعجبه جمجمتي إلى هذا الحد؟!
قطعت جو التوتر المتماثل بتساؤلي:
- حضرة الطبيب، هلّا أخبرتني عن حالتي.
نظر إلى بطرف عينيه، وكأنه لاحظني للمرة الأولى، متأكدة أنها نظرات استصغار، أشعر الآن بأشد حالات الانزعاج!!
حرك كرسيه نحوي بسرعة مذهلة، وأخذ يحدق بوجهي، بينما ملاحتي المشمئزة لا تغادر وجهي.
- الأهم من ذلك!
علق بهدوء يشوبه السخرية:
- كيف لفتاة بمثل هذه البراءة أن تصدم وجهها بالحائط؟!
ماذا؟! هل لا زال لا يصدق إمكانية حدوث ذلك؟
هل هذا يعني أنه يشك بكون هذه الصورة لي؟!
الآن فقط أستطيع أن أترك لأعصابي عنان الانطلاق.
نظرت إليه باشمئزاز وغرور، ما الذي يحسب نفسه، لمَ لا يقوم بعمله كطبيب وينهي الأمر فحسب، فأنتَ لستَ من أفراد الرفق بالحيوان!
عفوًا، أقصد الشؤون الاجتماعية!!
على أية حال، هناك حدود لأي شخص، لا يمكن له تجاوزها.
- أنت!
أخرجت كل ما أملكه من انزعاج، بنبرتي المملة الباردة:
- هلّا تصرفت كطبيب ولو لدقيقة واحدة.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة، أظن أنني غلبته، لأنه سرعان ما عاد إلى مكتبه بذلك الكرسي غريب الأطوار.
تناول ورقة وقلمًا، ثم هم بالكتابة السريعة المعهودة لدى جميع الأطباء، حيث تنتابك الحيرة إن كانوا يكتبون أم يعدون طبقًا من الخربشات، بينما تخرج كلماته برصانة لم أكن لأعدها من طبيب يبدو على وجهه السخف:
- هناك احتمال أن يكون ارتجاج خفيف للدماغ، لذا ليس عليها سوا الراحة، سأكتب لها مسكنات للصداع في حال اللزوم، إن حصل أي شيء طارئ، فعليها مراجعتي حالًا.
وبسرعة الرياح، مد الورقة نحوي، وأرفقها بابتسامة:
- اتفقنا؟!
- لم نتفق؟!
أجبته بغيظ شديد، بينما سحبت الورقة من يده بعصبية، بالكاد أحتمل الهراء الذي يلعب به، إلا أن أكثر الأمور إغاظةً هي تلك الابتسامة السخيفة التي لا تنفك تملأ وجهه الشاحب.
الآن! ... حتمًا أشعر بعذاب الصداع، ما إن خرجنا من مقصورته المزعجة، حتى بدأت أفقد ضياء النور في عيني.
- هذا مطمئن نوعًا ما.
أخرجتني كلماتها من الصمت:
- اعتقدت لوهلة أن الأمر سيكون أكثر سوءً.
"هل تتمنين ذلك فحسب؟ أم يخيل إلي ذلك!"
همست في نفسي بازدراء، وضيق حانق، حين نظرت إلي، وهتفت بلطف:
- إن طرأ أي شيء، لا تتردي في التوجه إلي، حسنًا؟!
"حسنًا، حسنًا!"
همست في نفسي:
"أتمنى فقط أن تكوني في مكتبك خلال ساعات العمل على الأقل، هذا ما أتمناه من أعماق قلبي"
وددت قولها لها مباشرة، لكنني أشحت وجهي وأكملت سيري، كنت في أمس الحاجة لبعض الهدوء، أعرف تمامًا أنها لا زالت واقفة هناك في الخلف، حيث تتبعني بنظراته المصدومة، لكنني من يحتاج المواساة هنا! وليست هي!
ألا يبدو الأمر عادلًا هكذا؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق