أصوات خطوات الأقدام تتعالى في الدهليز الحجري ثم تتردد وتتلاشى مع صدى صوتها، بينما يسرع مارون خطواته في محاولة للحاق بسيده الذي خرج من الغرفة بعد الاجتماع باللوردات حول المسألة التي أوكلها له والده، وعندما اقترب، تردد صدى صوته بغضب:
- سيدي.
لم يتوقف روهان عن المسير، خطواته ثابتة ووجهه خالٍ من أي تعبير، ما إن رأى مارون ذلك حتى سحبه من قميصه وهزه:
- روهان! هل فقدت عقلك!
صرخ وهو يهزه بانفعال:
- لقد أتلفت الدليل الوحيد لمعرفة كل شيء، هل فقدت عقلك!
لكن روهان وضع يده على قبضة مارون الممسكة بقميصيه باحكام، وهمس:
- أعلم ذلك.
تراجع مارون عدة خطوات وأفلت سيده، ونظر نحوه باستنكار، عدل روهان ياقته وهمس:
- دعنا نتكلم في الداخل.
ثم هم يكمل مسيره، ووقف مارون متجمداً ينظر في أثر سيده بدهشة، ثم همس في سره:
"هل بدأت أفقد ثقتي في سيدي؟"
...
داخل غرفة روهان المكتبية، يجلس روهان على مكتبه يتفحص جنوده الأربعة الجالسين قبالته واحداً تلو الآخر، بينما يترقب كل واحد منهم سيده الذي لا يزال وجهه فارغاً خالٍ من أي شعور.
- أعلم أنكم مستاؤون!
علق بهدوء:
- لكننا بحاجة لثقة الحاكم.
نظر كل واحد نحو الآخر بدهشة، عيونهم تشجع الآخر على السؤال ولكن لا أحد منهم يملك الجرأة لفعل ذلك، لكن روهان فهم ما يتحاورون بينهم، فعقد يديه وتراخى بظهره على ظهر الكرسي وقال بثقة:
- الحاكم أعرب لي عن مدى أهمية الحفاظ على سر الإكسير وهو بالتالي يعرف من الفاعل.
- ماذا؟
هتفوا معاً، فوضح لهم روهان:
- ألم تلاحظوا ذلك؟
نظروا نحو بعضهم مجدداً، ثم خاطبه آندي وهو يحك رأسه بتوتر:
- اعذر جهلنا سمو الأمير.
تنهد روهان بخيبة أمل، ثم قال:
- لم يكن الحاكم مهتماً بماهية الفاعل، هو فقط يريد التخلص منه ... بما معنى أنه يعرفه مسبقاً، وقد أرسلنا دون أي توضيحات فقط لنتخلص من الدليل الذي يهدد سر صاحب الجلالة.
هز مارون رأسه مفكراً، وقال:
- مما يعني أننا مجرد أدوات لحماية سر سمو الجلالة.
- بالضبط.
علق روهان، وأضاف:
- وهو اختبار لنا أيضاً!
حدق الجنود الأربعة بروهان بدهشة، فعاد روهان ليسند جسده على المكتب، أشعت عيناه بوميض ماكر، بينما خرج صوته بنبرة غامضة مخيفة:
- أي كان على استعداد للتضحية بنا.
تجمد الهواء في الغرفة، وتجمدت معها قلوبهم، جرى صمت خانق وتقشعرت أبدانهم، شعر كل واحد منهم بلسعة باردة تسري في عروقه، وابتلع آندي رمقه على مضض، سارت الدقائق ببطئ وأصبح صوت عقرب الساعات مركز الغرفة، حتى خرج صوت لان متردداً:
- ولكن ... ولكن ... أليس سيدي ...
قاطعه روهان بإشارة بيده وقال بلامبالاة:
- أنا أيضاً مجرد أداة للصاحب الجلالة.
جحظت عينا لان وهمس:
- هذا .. مستحيل!
فنهض روهان، غمرته أشعة الشمس من النافذة الخلفية فجعلته أسوداً كالظلام الحالك، ثم بهت النور خلفه وعادت الألوان بالتدريج ليظهر أخيراً وجهه الجاد المعتاد وقال بنبرته الحازمة المعتادة:
- لذا أطلب منكم الحذر، يمكنكم الانصراف.
نهضوا وانحنى كلاً من تيم وآندي ولان، وخرجوا واحداً تلو الآخر، وبعد أن أغلق الباب عاد مارون ينظر نحو سيده الذي سرعان ما أصبح منهمكاً بقراءة التقارير التي على مكتبه، ثم قال:
- سيدي!
- مارون، دعك من ذلك!
- لكن سيدي ...
فترك التقرير الذي بيده ونظر روهان نحوه ثم قال:
- أنا أفهمك، لم تكن تعلم بالامر، ولم أخبرك حتى لا يشك صاحب الجلالة بنا.
ترقرت عينا مارون بالدموع، ما جعل روهان ينظر نحوه بدهشة، وعندما لاحظ بأن دموعه تخونه أخذ يمسحها بذراعه، خرج صوته محشرجاً مختنقاً:
- أنا آسف ... أنا آسف!
ارتسمت على وجه روهان ابتسامة لطيفة، نهض وتقدم نحوه ثم ربت على كتفه مواسياً:
- لا عليك!
لكن مارون استمر بالاعتذار.
- أنا آسف ... أنا آسف!
...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق