الثلاثاء، 13 ديسمبر 2022

الفصل السابع والأربعون

 في زاوية الانتظار، حيث يجلس الفرسان يبدو عليهم الاكتئاب، بعضهم يتثاءب وبعضهم يتكئ على سيفه دون بنس شفه، حتى قاطعتهم هالته المرعبة، الجميع دون استثناء نهض لينظر نحو تلك الهالة بدهشة، حيث يقف بكل هدوء، إلا أن هالته تتقد، حرارتها تصل الجميع، فابتعدوا عنه بذعر، نظر روهان نحو أحدهم، بينما ارتجف الفارس من الخوف.

- هلا راجعت معي بروتوكولات المبارزة؟

- آه .. أجل!

لم يندهش من سؤاله، فهذه ثاني مبارزة يخوضها بعد زمن طويل، لم تكن الأولى إلا ليصبح قائداً للفرقة الأمامية، لذلك أن يخطأ في واحدة أو اثنتين منها من الأمور المحتملة. وقف الفارس واتجهوا نحو زاوية من الزوايا الفارغة وهم بتعليمه، بينما نظر الفرسان الآخرين نحو بعضهم علامات الاستفهام ترسم وجوههم.

- هل هو متأكد من ذلك؟

- سيصبح أضحوكة لا محالة!

- لكنه بالتأكيد انتقام ..

- من أجل الأمير لوكاس؟ هذا محال!

- طمع الحاكم وصل إلى أوجه، ألن يسبب ذلك نزاع في صفوف العامة.

- ومن أخبرك أن الحاكم مهتم برأي العامة.

انتهى من مراجعته، وعاد نحو المقاعد المعدة لهم، فصمت الجميع وأخذوا ينشغلون بحاجياتهم، حتى أعلن عن المبارزين التاليين، شعر روهان بألم في معدته، فأل سيء بانتظاره، لكنه صمم على خوض هذا الطريق، ما إن دخل النور زاوية الانتظار، حتى خطى خطواته نحوه.

علت أصوات الجمهور عند رؤية المتبارزين، الأميران في ساحة معركة واحدة، يالها من مصادفة، الجميع يتوقع مبارزة حاسمة تكسر تلك المبارزات المملة، بينما نظر كلاهما نحو بعضهما، بدا الأمير لوكاس مندهشاً بينما بدا روهان متوقعاً، لا شيء يمكن أن يخفى عن والده، فهذه المبارزة فرصته الأخيرة، إما أن يغتنمها أو يخسرها للأبد.

رفع سيفه، نظرات لوكاس القلقة إن لم يخرج عن صدمته تلك فسيكون في خبر كان. صرخ به:

- لوكاس! بارزني بكل قوتك!

أيقظته كلماته، فتنبه للمكان حوله، رفع سيفه قاما بالتحية ثم بدأوا، أصوات صليل السيوف تحمل من الاصرار ما لا يحمله أحد، كلاهما على حافة الموت، لا يدرك أحد ما خلفهما ولكنهم يرون معركة حامية الوطيس، فتتعالى الأصوات بالهتافات الحماسية، حتى تناسوا هدف المبارزة الرئيس.

انسدل سيف لوكاس على الأرض، ليتعالى التصفيق، ويقف الجمهور من البهجة، يا له من جمهور ظالم، أن يظهروا كل تلك البهجة أمام الرجل الذي ستنتهي حياته قريباً. شعر روهان لوهلة بأن ذلك سيسجل في ملفه ناصع البياض كبقعة سوداء، أول بقعة سوداء في حياته، لكنها لن تتوقف هنا إلا أنه بمجرد سقوطها ستسمر بالانتشار.

حسم القتال على فوز الأمير روهان، لم يتخيل أحد من فرسان الفرقة اليمنى أن يأتي اليوم الذي يصعد فيه روهان تلك السلالم المفروشة بالسجاد الأرجواني المخملي. بالنسبة للعامة وجه جديد ظهر في الساحة، لكن تبين أنه فارسهم المغوار المنتظر الذي يقف في الصفوف الأولى في كل معركة ليحميهم، بالتأكيد سيكونون في غاية السعادة. إلا إنه لآخرين حدث سوداوي حزين.

...

في مجلس الفرسان الذهبي، يجلس روهان على الكرسي الذي كان من المفترض أنه كان للقائد ليون، بينما يجلس لوكاس مكانه السابق، الجو مشحون بهدوء خانق، وشرر من التوتر تتوهج بينهم، لم يكن ذلك ملائماً لأي من القادة، لكنهم يجلسون كالمجبرين على ذلك، بينما يجلس الحاكم يتابع خطة القائد سيمون، نهض روهان وهم خارجاً، إلا أن القائد سيمون استوقفه وقال:

- سموك، إلى أين؟

- لا أشعر بأني على ما يرام.

وهم راحلاً، فعاد الصمت الخانق يتفشى أرجاء المكان، نظروا نحو بعضهم بحرج: "لكن الحاكم موجود!"  بدا أن الحاكم فهم نظراتهم، فرفع يده وأشار لهم بالانصراف:

- يمكننا تأجيل هذا لوقت آخر.

نظر كلا من سيمون ودان نحو بعضهما، ثم نظرا نحو لوكاس الذي كان متجمداً كالتمثال وهم منصرفين.

...

كان يجلس في غرفة الدراسة شارداً، أن يكون قائداً للفرقة اليمنى هي مسؤولية كبيرة، ستجعله هدف لكثير من الاستغلال، في نفس الوقت سيصبح موقعاً سهلاً للاصطياد، أخذ يفكر في كم الأشخاص الذين عليه الحذر منهم الآن، ثم أتت إلى ذهنه نورس، إنها المرة الأولى التي يشعر بثقل كبير في قلبه بمجرد ظهورها في ذهنه، أن تكون من الجهة الأخرى من العالم ذلك لا يذكر عن كونها الآن من الأشخاص الذي يعتمد وجودها معه على الكثير من الخيانات وطعن الظهور، هو يدرك أن ما فعله والده لا يغتفر لكنه لم يكن ليكون الآن هنا حياً يرزق لولاه أيضاً، يشعر بثقل كبير من فكرة أنه يفعل ذلك ليطعنه من خلفه في النهاية، لو كان للأمر حل آخر، لكنه في النهاية عليه أن يختار إما والده أو والدته. أن يكون المرء بين هذين الخيارين؟ هل هو عادل؟

إلا أنه اختار أن يكون هنا، إن أراد القتال عليه المواجهة، عليه أن يكون قوياً، في النهاية ما ذنبهم، فكر: "هل كانت نورس في موقف كهذا!" شعر لوهلة بصعوبة الأمر عليها، من كان يتوقع أن يكون شعور الاختيار بين طرفين بهذه الصعوبة، هي لم تكن تتجنبه للاشيء، ولكن لصعوبة أن تختار بينه وبين مصيرها الذي وضعت فيه الآن، لوهلة شعر كم كان أنانياً، لكنه لا يستطيع التراجع الآن، فها هو في منتصف البلبلة ذاتها.

دخل عليه مارون ورفاقه الثلاثة، بدا على مارون القلق، يعلم تماماً أن سيده سيكون وحيداً في غرفته يفكر، عندما رآهم ابتسم ابتسامة خافتة، لم تخفي ملامحه الذابلة، ثم هم نحوه مارون وأمسك وجهه وعصره بيديه فأصبحت وجنتيه منتفختان ودخلت ملامحه نحو الداخل، نظر كلاً من تيم وآندي ولان نحو بعضهم بدهشة، ما إن بدأ روهان يحصل على القوة لإبعاده، حتى تركه وصرخ:

- يجب أن تملك توضيحاً ملائماً لذلك.

نظر روهان نحو مارون بدهشة، ثم نظر نحو الرفاق الثلاثة الذين بدوا مترددين، فزفر بنفاذ صبر، وقال:

- أريدك أن تحقق لي في أمر.

كلماته الجدية جعلت مارون حازماً، عاد ينظر نحو متسائلاً، وهتف:

- ما الذي تعنيه؟

- بشأن والد ... بشأن سمو الملكة.

- سموك!

خرج صوت آندي:

- نعتذر عما بدر منا ...

فأتاه هجوم مباغت من قبل رفيقه في مهمة لإغلاق فمه، فنظر نحوهم بدهشة، ثم نظر نحو مارون، وسأل:

- ما الذي يجري؟

- آه!

حك مارون رأسه بتردد، قبل أن يكون:

- في الواقع، أرسلت أحدهم ليحقق بالأمر بالفعل.

- فعلت!

- أجل، رأيتك سيدي مع رجل مقنع فتوقعت أنك ستبحث في الأمر.

لا يعرف روهان أيكون منزعجاً أم مسروراً، حقيقة ان اللقاء كان سرياً هل كان قليل الحذر؟

- سموك!

أيقظه صوت تيم:

- لم نقصد تتبعك خلسة، لكننا كنا قلقين.

- إلى أي مدى تبعتونني؟

تردد الجميع، بدا ذلك واضحاً، نظروا نحو بعضهم البعض وابتلعوا رمقهم بصعوبة، صمتهم هذا لم يعطي روهان أي احتمالات أخرى، لقد أرخى حذره بالفعل. قبض على يده بشدة يكبح غضبه، رأى مارون ذلك، فقال في محاولة لتهوين الأمر:

- كنا قلقين من أن تكون مؤامرة جديدة، لذلك تواجدنا لحماية سموك.

لم ينظر نحوهم ولم يتكلم، فزم مارون شفتيه والتزم الصمت، جرى صمت خانق لفترة، حتى خرج صوت روهان الجاف:

- أطلعني عما توصلت إليه.

- أمرك مولاي.

ثم انحنوا وخرجوا بهدوء، حتى أصبحوا بعيدين عن الباب ليهمس تيم بلقلق:

- أخبرتكم أنها لم تكن فكرة جيدة.

فنظر كلاً من آندي ولان نحوه نظرات غاضبة، ليعلق آندي:

- نحن لم نقصد ذلك، كنا قلقين فقط.

فنظر كلاً من تيم ولان نحو آندي، حين قال تيم:

- لم يكن ليصبح الحال كذلك لولا فم أحدهم!

حاول آندي تجنب نظراتهم، فقال مارون:

- كفاكم! الأهم من ذلك أن لا يخرج ما حصل أبعد من ذلك.

فنظروا نحوه، وهتفوا في صوت واحد:

- مفهوم!

...